كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



ونعود- قبل الانتهاء من استعراض هذه الفقرة من السورة- إلى بعض الآثار التي وردت عن ملابسات نزول هذه الآيات؛ وعن دلالة هذه الآثار مع النصوص القرآنية على حقيقة النقلة الهائلة التي كان هذا الدين ينقل إليها البشرية يومذاك؛ والتي ما تزال البشرية حتى اليوم دون القمة التي بلغتها يومها ثم تراجعت عنها جداً..
قال أبو جعفر الطبري: حدثنا هناد بن السري، حدثنا أبو زبيد، عن أشعث، عن كردوس الثعلبي، عن ابن مسعود، قال: مر الملأ من قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب، ونحوهم من ضعفاء المسلمين. فقالوا: يا محمد، رضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين منَّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نكون تبعاً لهؤلاء؟ اطردهم عنك! فلعلك إن طردتهم أن نتبعك! فنزلت هذه الآية: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}.
{وكذلك فتنا بعضهم ببعض} إلى آخر الآية.
وقال: حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا أبي، حدثنا أسباط، عن السدي، عن أبي سعيد الأزدي- وكان قارئ الأزد- عن أبي الكنود، عن خباب في قول الله تعالى ذكره: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}.. إلى قوله: {فتكون من الظالمين}.. قال: جاء الأقرع ابن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع بلال وصهيب وعمار وخباب، في أناس من الضعفاء من المؤمنين. فلما رأوهم حقروهم. فأتوه فقالوا: إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا العرب به فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك، فنستحيي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد؛ فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا؛ فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت! قال: نعم! قالوا: فاكتب لنا عليك بذلك كتاباً. قال: فدعا بالصحيفة، ودعا علياً ليكتب. قال: ونحن قعود في ناحية، إذ نزل جبريل بهذه الآية: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين}.. ثم قال: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين}.. ثم قال: {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة}.. فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده؛ ثم دعانا فأتيناه وهو يقول: «سلام عليكم، كتب ربكم على نفسه الرحمة».. فكنا نقعد معه، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا. فأنزل الله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا}.. [سورة الكهف: 28] قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم!
وكان صلى الله عليه وسلم بعدها إذا رآهم بدأهم بالسلام، وقال: «الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني ربي أن أبدأهم بالسلام».
وفي صحيح مسلم: عن عائذ بن عمرو، أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال، ونفر. فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها! قال: فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. فقال: «يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم. لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك. فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه، أغضبتكم؟ قالوا: لا. يغفر الله لك يا أخي».
نحن في حاجة إلى وقفة طويلة أمام هذه النصوص.
والبشرية بجملتها في حاجة إلى هذه الوقفة كذلك.. إن هذه النصوص لا تمثل مجرد مبادئ وقيم ونظريات في حقوق الإنسان!.. إنها أكبر من ذلك بكثير.. إنها تمثل شيئاً هائلاً تحقق في حياة البشرية فعلاً.. تمثل نقلة واسعة نقلها هذا الدين للبشرية بجملتها.. تمثل خطاً وضيئاً على الأفق بلغته هذه البشرية ذات يوم في حياتها الحقيقية.. ومهما يكن من تراجع البشرية عن هذا الخط الوضيء الذي صعدت إليه في خطو ثابت على حداء هذا الدين، فإن هذا لا يقلل من عظمة تلك النقلة؛ ومن ضخامة هذا الشيء الذي تحقق يوماً؛ ومن أهمية هذا الخط الذي ارتسم بالفعل في حياة البشر الواقعية.. إن قيمة ارتسام هذا الخط وبلوغه ذات يوم. أن تحاول البشرية مرة ومرة ومرة الارتفاع إليه؛ ما دام أنها قد بلغته؛ فهو في طوقها إذن وفي وسعها.. والخط هناك على الأفق، والبشرية هي البشرية؛ وهذا الدين هو هذا الدين.. فلا يبقى إلا العزم والثقة واليقين..
وقيمة هذه النصوص أنها ترسم للبشرية اليوم ذلك الخط الصاعد بكل نقطه ومراحله.. من سفح الجاهلية الذي التقط الإسلام منه العرب، إلى القمة السامقة التي بلغ بهم إليها، وأطلعتهم في الأرض يأخذون بيد البشرية من ذلك السفح نفسه إلى تلك القمة التي بلغوها!
فأما ذلك السفح الهابط الذي كان فيه العرب في جاهليتهم- وكانت في البشرية كلها- فهو يتمثل واضحاً في قوله: الملأ من قريش: يا محمد، رضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نكون تبعاً لهؤلاء؟ اطردهم عنك! فلعلك إن طردتهم أن نتبعك!.. أو في احتقار الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، للسابقين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال، وصهيب، وعمار، وخباب، وأمثالهم من الضعفاء؛ وقولهما للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا العرب به فضلنا؛ فإن وفود العرب تأتيك، فنستحيي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد!.
.. هنا تتبدى الجاهلية بوجهها الكالح! وقيمها الهزيلة، واعتباراتها الصغيرة.. عصبية النسب والجنس واعتبارات المال والطبقة.. وما إلى ذلك من اعتبارات. هؤلاء بعضهم ليسوا من العرب! وبعضهم ليسوا من طبقة الأشراف! وبعضهم ليسوا من ذوي الثراء!.. ذات القيم التي تروج في كل جاهلية! والتي لا ترتفع عليها جاهليات الأرض اليوم في نعراتها القومية والجنسية والطبقية!
هذا هو سفح الجاهلية.. وعلى القمة السامقة الإسلام! الذي لا يقيم وزناً لهذه القيم الهزيلة ولهذه الاعتبارات الصغيرة، ولهذه النعرات السخيفة!.. الإسلام الذي نزل من السماء ولم ينبت من الأرض. فالأرض كانت هي هذا السفح.. هذا السفح الذي لا يمكن أن ينبت هذه النبتة الغريبة الجديدة الكريمة.
الإسلام الذي يأتمر به- أول من يأتمر- محمد صلى الله عليه وسلم محمد رسول الله الذي يأتيه الوحي من السماء؛ والذي هو من قبل في الذؤابة من بني هاشم في الذروة من قريش.. والذي يأتمر به أبو بكر صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم؛ في شأن هؤلاء الأعبد.. نعم هؤلاء الأعبد الذين خلعوا عبودية كل أحد؛ وصاروا أعبداً لله وحده؛ فكان من أمرهم ما كان!
وكما أن سفح الجاهلية الهابط يرتسم في كلمات الملأ من قريش، وفي مشاعر الأقرع وعيينة.. فإن قمة الإسلام السامقة ترتسم في أمر الله العلي الكبير، لرسوله صلى الله عليه وسلم:
{ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم}..
ويتمثل في سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء الأعبد.. الذين أمره ربهم أن يبدأهم بالسلام وأن يصبر معهم فلا يقوم حتى يقوموا وهو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم- وهو بعد ذلك- رسول الله وخير خلق الله، وأعظم من شرفت بهم الحياة!
ثم يتمثل في نظرة هؤلاء الأعبد لمكانهم عند الله؛ ونظرتهم لسيوفهم واعتبارها سيوف الله ونظرتهم لأبي سفيان شيخ قريش وسيدهم بعد أن أخره في الصف المسلم كونه من الطلقاء الذين أسلموا عام الفتح وذهبوا طلقاء عفو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدّمهم هم في الصف كونهم من السابقين إلى الإسلام، وهو في شدة الابتلاء.. فلما أن عاتبهم أبو بكر رضي الله عنه في أمر أبي سفيان، حذره صاحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون قد أغضب هؤلاء الأعبد! فيكون قد أغضب الله- يا الله! فما يملك أي تعليق أن يبلغ هذا المدى وما نملك إلا أن نتملاه!- ويذهب أبو بكر رضي الله عنه يترضى الأعبد ليرضى الله: يا إخوتاه. أغضبتكم؟ فيقولون: لا يا أخي. يغفر الله لك!
أي شيء هائل هذا الذي تحقق في حياة البشرية؟ أية نقلة واسعة هذه التي قد تمت في واقع الناس؟ أي تبدل في القيم والأوضاع، وفي المشاعر والتصورات، في آن؟ والأرض هي الأرض والبيئة هي البيئة، والناس هم الناس، والاقتصاد هو الاقتصاد.
وكل شيء على ما كان، إلا أن وحياً نزل من السماء، على رجل من البشر، فيه من الله سلطان.. يخاطب فطرة البشر من وراء الركام، ويحدو للهابطين هنالك عند السفح، فيستجيشهم الحداء- على طول الطريق- إلى القمة السامقة.. فوق.. فوق.. هنالك عند الإسلام!
ثم تتراجع البشرية عن القمة السامقة؛ وتنحدر مرة أخرى إلى السفح. وتقوم- مرة أخرى- في نيويورك، وواشنطن، وشيكاغو.. وفي جوهانسبرج.. وفي غيرها من أرض الحضارة! تلك العصبيات النتنة. عصبيات الجنس واللون، وتقوم هنا وهناك عصبيات وطنية وقومية وطبقية لا تقل نتناً عن تلك العصبيات..
ويبقى الإسلام هناك على القمة.. حيث ارتسم الخط الوضيء الذي بلغته البشرية.. يبقى الإسلام هناك- رحمة من الله بالبشرية- لعلها أن ترفع أقدامها من الوحل، وترفع عينيها عن الحمأة.. وتتطلع مرة أخرى إلى الخط الوضيء؛ وتسمع مرة أخرى حداء هذا الدين؛ وتعرج مرة أخرى إلى القمة السامقة على حداء الإسلام..
ونحن لا نملك- في حدود منهجنا في هذه الظلال- أن نستطرد إلى أبعد من هذه الإشارة.. لا نملك أن نقف هنا تلك الوقفة الطويلة التي ندعو البشرية كلها أن تقفها أمام هذه النصوص ودلالتها. لتحاول أن تستشرف المدى الهائل الذي يرتسم من خلالها في تاريخ البشرية؛ وهي تصعد على حداء الإسلام من سفح الجاهلية الهابط، إلى تلك القمة السامقة البعيدة.. ثم تهبط مرة أخرى على عواء الحضارة المادية الخاوية من الروح والعقيدة!.. ولتحاول كذلك أن تدرك إلى أين يملك الإسلام اليوم أن يقود خطاها مرة أخرى؛ بعد أن فشلت جميع التجارب، وجميع المذاهب، وجميع الأوضاع، وجميع الأنظمة، وجميع الأفكار؛ وجميع التصورات، التي ابتدعها البشر لأنفسهم بعيداً عن منهج الله وهداه.. فشلت في أن ترتفع بالبشرية مرة أخرى إلى تلك القمة؛ وأن تضمن للإنسان حقوقه الكريمة في هذه الصورة الوضيئة؛ وأن تفيض على القلوب الطمأنينة- مع هذه النقلة الهائلة- وهي تنقل البشرية إليها بلا مذابح؛ وبلا اضطهادات؛ وبلا إجراءات استثنائية تقضي على الحريات الأساسية؛ وبلا رعب، وبلا فزع، وبلا تعذيب، وبلا جوع، وبلا فقر، وبلا عرض واحد من أعراض النقلات التي يحاولها البشر في ظل الأنظمة البائسة التي يضعها البشر؛ ويتعبد فيها بعضهم بعضاً من دون الله..
فحسبنا هذا القدر هنا.. وحسبنا الإيحاءات القوية العميقة التي تفيض بها النصوص ذاتها، وتسكبها في القلوب المستنيرة.
{وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}..
ختام هذه الفقرة التي قدمت طبيعة الرسالة وطبيعة الرسول في هذه النصاعة الواضحة.
كما قدمت هذه العقيدة عارية من كل زخرف؛ وفصلت الاعتبارات والقيم التي جاءت هذه العقيدة لتلغيها من حياة البشرية؛ والاعتبارات والقيم التي جاءت لتقررها..
{وكذلك نفصل الآيات}..
بمثل هذا المنهج، وبمثل هذه الطريقة، وبمثل هذا البيان والتفصيل.. نفصل الآيات، التي لا تدع في هذا الحق ريبة؛ ولا تدع في هذا الأمر غموضاً؛ ولا تبقى معها حاجة لطلب الخوارق؛ فالحق واضح، والأمر بين، بمثل ذلك المنهج الذي عرض السياق القرآني منه ذلك النموذج..
على أن كل ما سبق في السورة من تفصيل لدلائل الهدى وموحيات الإيمان؛ ومن بيان للحقائق وتقرير للوقائع، يعتبر داخلاً في مدلول قوله تعالى: {وكذلك نفصل الآيات}.
أما ختام هذه الآية القصيرة:
{ولتستبين سبيلُ المجرمين}..
فهو شأن عجيب!.. إنه يكشف عن خطة المنهج القرآني في العقيدة والحركة بهذه العقيدة! إن هذا المنهج لا يُعنى ببيان الحق وإظهاره حتى تستبين سبيل المؤمنين الصالحين فحسب. إنما يعنى كذلك ببيان الباطل وكشفه حتى تستبين سبيل الضالين المجرمين أيضاً.. إن استبانة سبيل المجرمين ضرورية لاستبانة سبيل المؤمنين. وذلك كالخط الفاصل يرسم عند مفرق الطريق!
إن هذا المنهج هو المنهج الذي قرره الله- سبحانه- ليتعامل مع النفوس البشرية.. ذلك أن الله سبحانه يعلم أن إنشاء اليقين الاعتقادي بالحق والخير يقتضي رؤية الجانب المضاد من الباطل والشر؛ والتأكيد من أن هذا باطل محض وشر خالص؛ وأن ذلك حق ممحض وخير خالص.. كما أن قوة الاندفاع بالحق لا تنشأ فقط من شعور صاحب الحق أنه على الحق؛ ولكن كذلك من شعوره بأن الذي يحاده ويحاربه إنما هو على الباطل.. وأنه يسلك سبيل المجرمين؛ الذين يذكر الله في آية أخرى أنه جعل لكل نبي عدواً منهم {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين}. ليستقر في نفس النبي ونفوس المؤمنين، أن الذين يعادونهم إنما هم المجرمون؛ عن ثقة، وفي وضوح، وعن يقين.
إن سفور الكفر والشر والإجرام ضروري لوضوح الإيمان والخير والصلاح. واستبانة سبيل المجرمين هدف من أهداف التفصيل الرباني للآيات. ذلك أن أي غبش أو شبهة في موقف المجرمين وفي سبيلهم ترتد غبشاً وشبهة في موقف المؤمنين وفي سبيلهم. فهما صفحتان، متقابلتان وطريقان مفترقتان.. ولابد من وضوح الألوان والخطوط..
ومن هنا يجب أن تبدأ كل حركة إسلامية بتحديد سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين. يجب إن تبدأ من تعريف سبيل المؤمنين وتعريف سبيل المجرمين؛ ووضع العنوان المميز للمؤمنين. والعنوان المميز للمجرمين، في عالم الواقع لا في عالم النظريات. فيعرف أصحاب الدعوة الإسلامية والحركة الإسلامية من هم المؤمنون ممن حولهم ومن هم المجرمون. بعد تحديد سبيل المؤمنين ومنهجهم وعلامتهم، وتحديد سبيل المجرمين ومنهجهم وعلامتهم. بحيث لا يختلط السبيلان ولا يتشابه العنوانان، ولا تلتبس الملامح والسمات بين المؤمنين والمجرمين.
وهذا التحديد كان قائماً، وهذا الوضوح كان كاملاً، يوم كان الإسلام يواجه المشركين في الجزيرة العربية. فكانت سبيل المسلمين الصالحين هي سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه. وكانت سبيل المشركين المجرمين هي سبيل من لم يدخل معهم في هذا الدين.. ومع هذا التحديد وهذا الوضوح كان القرآن يتنزل وكان الله- سبحانه- يفصل الآيات على ذلك النحو الذي سبقت منه نماذج في السورة- ومنها ذلك النموذج الأخير- لتستبين سبيل المجرمين!